-
إرضاءاً لتشدد رئيسي.. الكُرديات والإيرانيات كضحايا لـ"الحجاب السلطوي"
منذ أن تقلد النظام الديني في إيران للحكم في العام 1979، والبلاد تمر بمراحل من التشدد الديني، يمكن مقارنتها مع الوضع في أفغانستان منذ منتصف أغسطس العام الماضي، عندما عادت حركة طالبان المتطرفة إلى حكم تلك البلاد، فالدين في كلتا الحالتين، هو غطاء لحكم طبقة سياسية ارتدت عباءته، وباتت تحكم وكأنها من تملك "مفاتيح الجنة" أو "مفاتيح النار".
وكما هو متوقع، كان للنساء حصة الأسد، من القمع والتنكيل والتشدد، الذي يعتبر إحدى أدوات الأنظمة الدينية، لإبراز السطوة وترهيب المجتمع وتربية أجيال خانعة للسلطة، مطيعة للأوامر الصادرة عن مزاوجة "الدين والسياسة".
رئيسي والتشدد في الحجاب
تجدد النقاش العام خلال فترة الماضية، بخصوص إلزامية وضع الحجاب، في ظل تقارير تؤشر إلى أن الضوابط بشأنه تصبح أكثر صرامة من ذي قبل، ففي أعقاب هيمنة ما تسمى بـ"الثورة في إيران عام 1979"، ألزم القانون النساء، أياً تكن جنسيتهن أو انتماؤهن الديني، بتغطية الرأس والعنق، بيد أن الهوامش بخصوص تلك القواعد اتسعت بشكل تدريجي خلال العقدين الماضيين، فيما تعمد العديد من النساء إلى وضع غطاء الرأس بشكل متراخ يكشف جزءاً من الشعر، بالأخص في طهران ومدن كبرى.
وقد شجبت وسائل إعلام محلية في الآونة الماضية، تصرفات بعض عناصر "الشرطة الأخلاقية" المكلّفة بالتحقق من تطبيق القواعد المعتمدة، والذين يتواجدون في الشوارع ولهم صلاحية دخول الأماكن العامة، للتأكد مما إذا كانت تلك القوانين مطبّقة، وكان قد تقلص تواجد تلك الشرطة بعيد وصول المعتدل حسن روحاني إلى الرئاسة في 2013، بيد أنه سُجّل حضور مُتجدد لتلك الشرطة، في الأشهر الأخيرة في عهد خلفه المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي تقلد الحكم في صيف عام 2021.
وقد دعا رئيسي في يوليو الماضي، إلى تطبيق قوانين وقواعد الحجاب "بشكل كامل"، وشدد على أن "أعداء إيران والإسلام" يستهدفون "الأسس الدينية وقيم المجتمع"، وفق ما نقلت عنه وكالة "إرنا" في الخامس من يوليو، ومطلع ذلك الشهر، أفادت وسائل إعلام محلية أن النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب سيُمنعن من استخدام المترو في مشهد (شمال شرق)، ثاني كبرى مدن إيران، كما أغلقت السلطات ثلاثة مقاهٍ في مدينة قم جنوب طهران، لأن النساء لم يلتزمن بوضع الحجاب فيها، وفق ما أوردت صحيفة "همشهري".
اعتقال النساء وتعذيبهن
ومنذ أن انتهت ثنائية الإصلاحيين والأصوليين أو المعتدلين والمتشددين في إيران، والسلطتان التنفيذية والتشريعية غدت بالكامل بيد المتطرفين في إيران، الذين بدأوا يفرضون آراءهم وقراءاتهم للدين على المجتمع بالقوة خاصة في موضوع الحجاب، وفي هذا الشأن، أثير في الأول من أغسطس الجاري، فيديو لاعترافات قسرية للناشطة الإيرانية "سبيده رشنو"، وهي فنانة وروائية ومحررة، اعتقلتها السلطات في 15 يونيو الماضي، بعد احتجاجها بالملاسنة مع امرأة محجبة، حذرتها بخصوص طريقة لبسها للحجاب في الحافلة، والتي هددت بتسليم فيديو سجلته لسبيده رشنو إلى الحرس الثوري.
حيث عرضت وكالة أنباء هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، الاعترافات الخاصة بـ"سبيده"، ما أثار ردود فعل رافضة بين النشطاء ورواد المنصات الاجتماعية الناطقة بالفارسية، وبالصدد، عرض وزير الاتصالات السابق في حكومة حسن روحاني، محمد جواد آذري جهرمي، تعليقاً على تطبيق تلغرام، حول بث اعترافات سبيده رشنو آنذاك، وأعرب عن قلقه مما أسماه "خلق ذريعة للهجوم على الإسلام والحجاب" بواسطة تصرفات الإذاعة والتلفزيون الحكومي، فيما وصف الناشط سياسي مجيد توكلي، بث الاعترافات القسرية بأنه "تعذيب جماعي" يهدف إلى "تعتيم وسحق الأمل".
اعتقال المدافعين عن حريات النساء
وفيما بعد، وتحديداً في بداية سبتمبر الجاري، اعتقلت السلطات الإيرانية أكثر من 300 شخص من الناشطين ضد إلزامية الحجاب في إيران، وفق ما ذكرت وكالة "فارس" عن مسؤول في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ذكر الناطق باسم الهيئة علي خان محمدي: "لقد حددنا أكثر من 300 شخص ينشطون ضد ارتداء الحجاب بطرق مختلفة"، مضيفاً: "تم توقيف كل هؤلاء الأشخاص"، لكن من دون تفاصيل إضافية بشأن الفترة الزمنية لحصول ذلك أو مكانه.
وبينما يراقب العام خطوات الرئيس المتشدد إبراهيم ريسي بحق النساء، جاءت صفعة إيرانية لفتاة من الأقلية الكردية التي تقطن في غربي البلاد، ضمن ما يسميها الكٌرد بـ"كردستان إيران"، والتي تضم مجموعة مدن أهمها "أورمية، مهاباد، إيلام، لورستان، كرمنشاه، سنه"، إذ توفيت في السادس عشر من سبتمبر، مهسا أميني (22 عاماً)، بعد أن أوقفتها في الرابع عشر من سبتمبر، في طهران، ما تسمى بـ"شرطة الأخلاق" المسؤولة عن التأكد من ارتداء النساء للحجاب، وفق ما أفاد التلفزيون الرسمي.
والشابة الكُردية مهسا، التي لم تكن تتوقع غالباً أنها ستتعرض لذلك الموقف الذي سيودي بحياتها، كانت تزور طهران، مع عائلتها عندما أوقفتها وحدة الشرطة المكلفة فرض قواعد اللباس الصارمة على النساء، بما في ذلك اشتراط تغطية شعرهن بحجاب، وزعمت شرطة طهران، إن مهسا أميني أوقفت مع نساء أخريات لتلقي "إرشادات" بشأن قواعد اللباس، وأضافت "لقد عانت فجأة من مشكلة في القلب... ونقلت على الفور إلى المستشفى"، وادعى التلفزيون الرسمي: "للأسف ماتت وتم نقل جثتها إلى معهد الطب الشرعي".
لكن الناشطة الحقوقية الإيرانية، مسيح علي نجاد كشفت، في السادس عشر من سبتمبر، أن الفتاة دخلت في غيبوبة بسبب "تعرضها لضرب مبرح" بعد أن تم توقيفها من قبل شرطة "الأخلاق"، وقالت نجاد في تغريدة لها ضمّنتها صورة الفتاة قبل توقيفها: "التقطت هذه الصورة قبل ساعة من تعرضها للضرب والاعتقال من قبل شرطة الآداب في إيران بتهمة "الارتداء السيئ للحجاب " وهي الآن في غيبوبة، ثم تساءلت "لماذا هذه المأساة ليست في الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الدولية؟".
رفض في الداخل الإيراني
ومع انتشار خبر مقتلها خلال اعتقالها، اندلعت الاحتجاجات في عدد من المدن الإيرانية، ومنها في عدة أحياء من طهران، ليل السادس عشر من سبتمبر، حيث هتفت الحشود "الموت للديكتاتور" و "الموت لخامنئي"، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، وفقاً لمقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما انتشرت قوات الأمن بأعداد كبيرة في الشوارع وخارج المستشفى الذي توفيت فيه الفتاة، وأظهرت المقاطع عناصر الشرطة وهم يضربون الناس بالهراوات ويطلقون النار في الهواء.
لكن المظاهرات تواصلت السبت\السابع عشر من سبتمبر، في غرب إيران، خلال جنازة الشابة، في حين استخدمت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، بينما ظهر المحتجون في مقاطع مصورة، وهم يرددون هتافات مناوئة للحكومة، بعد أن جاءوا من المدن المجاورة وتجمعوا في مدينة سقز الكردية، وهي مسقط رأس مهسا أميني.
وقال العديد من الأطباء الإيرانيين على تويتر إنه على الرغم من عدم تمكنهم من الوصول إلى ملفها الطبي، إلا أن النزيف من الأذن يشير إلى إصابتها بارتجاج في الدماغ نتيجة إصابات في الرأس، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، ونقلت الصحيفة عن مدير مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك، هادي غائمي، القول إن "القمع اليوم، وخاصة ضد النساء، وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق لأن الدولة خائفة من الشابات ومطالبهن بالتغيير".
كما أثارت وفاة أميني غضباً واسعاً النطاق بين العديد من الإيرانيين العاديين، وكذلك بعض المسؤولين وكبار رجال الدين والمشاهير والرياضيين، حيث أدان الكثيرون العنف الواضح ضد الفتاة، وطالبوا بوضع حد لمضايقة النساء واحتجازهن لعدم التزامهن بقواعد الحجاب، ومنهم نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي، الذي كتب تغريدة على تويتر، قال فيها إنه "حتى الادعاء بأن أميني أصيبت بجلطة دماغية يعد كافيا لجعل أجيال من الإيرانيين تكره الدين وتعاليمه".
تعقيب أمريكي على مقتل مهسا
بينما قال جيك سوليفان، مستشار للأمن القومي للرئيس جو بايدن، على تويتر، "يساورنا قلق عميق إزاء وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، التي أفادت التقارير بأنها تعرضت للضرب أثناء احتجازها على أيدي شرطة الأخلاق الإيرانية"، مضيفاً أن "موتها لا يغتفر، وسنواصل محاسبة المسؤولين الإيرانيين على مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان".
وعليه يبدو جلياً أن فعلة شرطة الأخلاق وتسببها بمقتل الشابة الكردية، لم تكن إلا تتويجاً لأشهر من التشدد ورسالة واضحة إلى نساء إيران بأن الموت بانتظارهن، فيما لو رفضن الخنوع لرغبات الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، وهي حالة لن تكون الأخيرة، إلا لم يرفع الإيرانيون على اختلاف تلويناتهم صوتهم عالياً في مواجهة قمع السلطة للنساء بحجة الحجاب، إضافة إلى ضرورة أن يكون للمجتمع الدولي كلمة وصوت مرتفع يسمع صداه في إيران، عبر عقوبات صارمة تلجم رئيسي وزبانيته.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!